طفل لك.. طفل لزوجتك.. وطفل للحكومة

صدّق أو لا تصدق، هذه آخر تقليعة سياسية في أستراليا، فلقد حث وزير الخزانة الأسترالي بيتر كوستيلو المواطنين على القيام بواجبهم الوطني، وإنجاب المزيد من البنين والبنات، ليس من أجل تأمين آخرتهم، واستمراريتهم في هذه الدنيا، عملاً بالمثل القائل: من خلّف ما مات، بل من أجل زيادة عدد سكان أستراليا، المهددة بشيخوخة بنيها.
وأستراليا البالغ عدد سكانها 20 مليون نسمة، بدون لاجئي القوارب المطاطية، والزوارق الخيزرانية، والمطارات والسياح الدائمين، تعاني من نقص هائل في الإنجاب، ولهذا ازدادت نسبة كبار السن في المجتمع، حتى بات ينظر إليهم على أنهم سبب المشكلة، وأن عليهم البقاء في العمل حتى يستدعيهم الخالق.
وبيتر كوستيلو، المنجب حقاً، هزته هذه النتيجة المدمرة للإقتصاد الأسترالي على المدى الطويل، ففتح فمه أثناء تسويق المزانية العامة، ونطق بهذه الحكمة التقسيمية الفيدرالية الطريفة، بغية حثنا على إنجاب أطفال صغار، فقال، لا فض فوه: طفل لك، طفل لزوجتك، وطفل للحكومة.
طفل لك.. هذا حقّك كوالد أو كوالدة، لا فرق، لأن زينة الحياة هم الأبناء، ولأن جنى العمر سيرمى بين أيديهم، ولأن اسم العائلة لن يندثر تحت أقدام السنين، بل سيحمله ابن عن والد عن جد، وستتشاوف به ابنة عن أم عن جدة.
طفل لزوجتك.. هذا تقسيم عائلي متعمّد؟ واستخفاف بفلذ أكبادنا؟ وكأنه يتوقع حصول الطلاق بين الرجل وزوجته في أي لحظة، وهذا ما يحصل بالفعل، ولكن الأولاد لا يقسّمون كما وعدنا العم كوستيلو، بل تأخذهم الوالدة (قشّة لفّة)، ولا يحق للوالد أن يراهم إلا كل أسبوعين مرة، عكس ما يحصل في بلداننا العربية، إذ أن رعاية الأولاد من حق الزوج والخالة، أما الوالدة فلها الله.
طفل للحكومة!.. هذه لن يحلم بها، لا كوستيلو ولا رئيسه جون هاورد. أولادنا لنا، لنا فقط، وإلا فعلنا كما فعل أحد المهندسين العرب، الذي قرر وزوجته الأجنبية المستعربة أن لا ينجبا إلا ولداً واحداً، ليس كرهاً بالأولاد، بل نكاية بالحكام العرب، وبالعقلية العربية المشجعة للإنجاب لدرجة الوقوع بالفقر المدقع، وخوفاً من التجنيد الإجباري المعمول به في معظم الدول العربية، وكي لا يرجع ابنهما إلى البيت ملفوفاً بعلم بلاده من أجل تثبيت حكم الطاغوت، أو يرمى في غياهب سجون المخابرات التي تبلع الأبرياء دون أن تبصقهم، ولو نحروا تحت الضرب والتعذيب.
صحيح أن الحكومة الأسترالية تتكفل بإعالة أطفالنا حتى سن البلوغ، كما تتكفل بتعليمهم وتطبيبهم، ومدهم سنوياً بآلاف الدولارات، التي تعيلنا نحن أيضاً، ولكن ليس من حقها استملاكهم، ولا التلاعب بعاداتهم، أو تغيير أسمائهم، كما فعلت معي يوم أعطتني الجنسية، فلقد وجدت أن اسم (شربل) غريب عليها في ذلك الوقت، فاستبدلته باسم (تشارلي) المتحدر من جذور إنكليزية، ولولا تمسكي العنيف (بشربل) لغرق اسمي في مياه الباسفيك، وما من باخرة تنقذه كما حصل منذ سنوات مع بعض اللاجئين.
من يريد أن ينجب ليس بحاجة لتشجيع من وزير خزانة، ولا من وزير خارجية، كل ما عليه هو أن يتوكل على الله، شرط أن يكون الأطفال له ولزوجته.. ولتمت غيظاً كل حكومات العالم.
**