مومس.. ولكنها تقية

تجارة الجنس أربح تجارة في العالم، تسعد الرجل وتغني المرأة، أو على العكس تماماً، إذ أنها لا تقتصر على النساء فقط، بل يعتاش منها آلاف الرجال حول العالم، من خلال بيع اللذة لمن يرغب أو ترغب.
وقد تنامت هذه التجارة، وتزايد عدد العاملات والعاملين بها إلى درجة مخيفة، أجبرت الحكومات على سن قوانين صارمة تجبر بها المومس على دفع ضريبة كأي عامل آخر في المجتمع، وعلى الخضوع لفحوصات طبية أسبوعية على الأقل، كما يتعرض كل من لا يحمل أو تحمل رخصة عمل جنسي للإعتقال.
فالمسألة، بنظر الحكومات، لم تعد تتعلق ببيع الجنس، ولا بجني الأرباح الطائلة، ولا بالترفيه عن الأجساد العطشى إليه، بل بحماية المجتمع من أمراض جنسية فتاكة، كالأيدز مثلاً، لم يكتشف لها الطب دواء، كما أنها أركعت قارات بأسرها، كالقارة الإفريقية، وجعلت المنظمات الدولية عاجزة عن مد يد العون والطبابة لضحاياها.
وقد يستغرب البعض إذا قلت إن إستيراد وتصدير لحوم الفتيات الجميلات، يضاهيان استيراد وتصدير لحوم البقر والغنم والماعز والكنغر وما شابه، فأستراليا تستورد المومسات من فيتنام وتايلاند وغيرهما، وأوروبا الغربية تستوردهن من جارتها الشرقية، تماماً كما يفعل لبنان والعديد من الدول العربية، والويل لمن يستورد مومساً من الصين، فلسوف تجتاح دولته التظاهرات الجنسية، كما حصل منذ عدة أيام في هونغ كونغ، فلقد تظاهرت المومسات ضد منظمة التجارة العالمية، لا لأنها رفعت ضرائبها، بل لأنها دفعت بالعديد من النساء إلى الدعارة، وحملن يافطات كتب عليها: لا للعنف.. لا للتمييز.. ولا للفقر. فالعولمة، بنظرهن، ضاعفت البطالة في صفوف المزارعين والعمال، ودفعت العديد من النساء إلى بيع أجسادهن من أجل تأمين لقمة عيشهن فقط.
ومن القصص الطريفة التي حصلت معي منذ سنوات، قصة امرأة كانت تقف في أحد شوارع سيدني، ولم أكن أعرف أنها مومس، إلا عندما اقتربت مني، وكنت برفقة أحد الأصدقاء، وقالت:
ـ أتريد أن ترفّه عن نفسك؟
وقبل أن أجيبها قالت:
ـ معك نصف ساعة، سأمنحها لك بنصف السعر.
ـ ولماذا نصف ساعة فقط؟
ـ بعدها، سيحين وقت ذهابي إلى الكنيسة، لأحضر قداس منتصف الليل، ولأحتفل بعيد الميلاد المجيد.
فهمست بأذن صديقي، بالعربية طبعاً:
ـ أتسمع ما أسمع.. هذه المومس مؤمنة أكثر من بعض رجال الدين؟!
ـ تعال نراقبها لنرى إذا كانت صادقة.
ـ ما لنا ولها.. لقد جئنا لحضور قداس عيد الميلاد، وليس لمراقبة الناس.
ولأننا تهامسنا كثيراً، تركتنا وتوارت داخل أحد المنازل القريبة، ولم نرها إلا عندما دخلت الكنيسة وقد غيرت ملابسها، ولفّت رأسها بشال أبيض، والجدير بالذكر أنها ركعت طوال القداس ولم ترفع رأسها إلا أثناء تناولها القربان المقدس، فتطلعت بصديقي وقلت:
ـ لقد قال يسوع: لا تدينوا لئلا تدانوا.. فمن سيصدقنا من الناس إذا أخبرناهم قصة هذه المومس التقية؟
ـ ولقد قال أيضاً: يا بني أعطني قلبك.. وأعتقد أن هذه السيدة قد لبت النداء وأعطته قلبها.
هذه قصة حقيقية، يشهد الله عليها، كتبتها للمرة الأولى، ليدرك القارىء أن مومساً تقية لأفضل من رجل دين مخادع، يستغل الله من أجل شهواته، ونزواته، وسياساته، وحبه للتفرقة بين أبناء الله، وزرع الموت على الطرقات، كي لا يهنأ بال، أو ترقد عين.
**