غشاء البكارة.. مرة ثانية

عندما نشرت مقالي (غشاء البكارة = الموت) في مجلة (إيلاف)، لم أكن أدري أن موضوعاً كهذا سيغرق بريدي الإلكتروني بحفنة من الشتائم القذرة، وبالعديد من الرسائل المشجعة الجميلة والجريئة في آن واحد. فلقد أخبرني أحد القراء أن اللواط والسحاق متفشيان في إحدى الدول العربية المحافظة جداً جداً، بطريقة يندى لها الجبين، وبأسلوب يخجل منه الدين، وجميع المتحججين به، والمتمسكين بجهلهم حد الموت. كما أخبرتني قارئة أنها درست في الجامعة مواضيع حقيقية مرعبة عن مآسي الفتيات العربيات، وتعرضهن للموت بسبب (غشاء) تافه، قد لا نراه بالعين المجردة، رماه الغربيون في سلة مهملاتهم، وأكملوا طريقهم إلى.. الفضاء.
ولكن الرسالة الأجمل، هي التي وصلتني من الدكتور حسان جمالي المغترب في كندا، مرفقة بمقال كتبه عن الجنس والأخلاق والنفاق، يصور به معاناته كرجل عربي مثقل (بأحمال ثقافية واجتماعية ودينية، كلها يقين وثوابت لا يدخلها الشك من أمامها أو من خلفها)، ومحاولته الاحتكاك بالغربيين والعيش تحت سمائهم، منذ كان عمره تسعة عشر سنة. فلقد كان يعتقد (أن المرأة العربية خلقت من طينة مختلفة كلياً عن طينة المرأة الغربية، هي عذراء محصّنة قبل الزواج، وأم حنون، وزوجة مطيعة مخلصة بعده)، ولكنه اكتشف، بعد ثلاثين سنة وأكثر، من العيش بين الأوروبيين والكنديين (بأن هؤلاء الناس، على الرغم من اختلاف التربية والعادات والدين والسلوك الجنسي، يشبهوننا كثيراً، ويشاركوننا في جميع القيم الأخلاقية، التي تميّز الإنسان عن بقية المخلوقات).
فكيف بإمكان شاب، كالدكتور جمالي، نشأ في الشرق وتبرمج على رؤية لونين فقط في الحياة: الأسود والأبيض، وأن الخير كل الخير في العالم العربي، والشر كل الشر في العالم الغربي!.. أجل، كيف بإمكانه التعامل مع امرأة متحررة (تعمل وتخوض تجارب عاطفية وجنسية قبل الزواج، دون أن يتهمها أحد بشرفها وعرضها)؟ وهو الذي أخرسته المفاجأة حين التقى (بأمهات عازبات لو كنّ في بلادنا لذبحن كالنعاج). هنا تظهر قدرة الإنسان المثقف على التعايش والتناغم بمجتمعه الجديد، وقدرة الإنسان المتزمت الجاهل على تدمير أي مجتمع تطأه قدمه.
ولكي يصور معاناته أكثر، ويؤكد صدق طرحه ومعالجته للأمور، يعترف بأنه عانى الكثير قبل التأقلم، وقبل الإدراك أن ممارسة الجنس من بديهيات الأمور، لا بل من متطلبات الجسم البشري، وأن الله غرس فينا الشهوة، كما غرس الجوع والشبع، فإما أن نكون أحراراً بإشباعها، دون خوف، كالغربيين، وإما أن نكون خائفين ومقيدين كالشرقيين، نمارس اللواط والسحاق بطريقة سرية، كي نتخلص من إفرازات الجسد؟! كما أدرك الدكتور جمالي أن هناك قيماً إنسانية في الغرب، أهم بكثير من فض غشاء البكارة، ومن ارتكاب الجرائم باسم الشرف: (نعم، عانيت وعانى غيري كثيراً قبل أن أدرك أن الصدق والأمانة وحسن المعاملة واحترام الإنسان وكرامته ومساعدة الضعيف والعاجز ورعاية الطفل، هي وحدها التي تشكل السلوك الإنساني الأخلاقي المشترك).
هذه هي القيم التي يجب أن يتمسك بها الانسان العربي، كائناً من كان، كي يتنعم بإنسانية رائدة، تمنعه من قتل ابنته، أو ذبح أخته لمجرد الشك أو اليقين بأنهما خسرتا غشاء بكارتهما، ومعظم فتياتنا لا يعرفن، بسبب انعدام ثقافتهن الجنسية، وجهلهن المضحك بالأمور الجنسية، أين يوجد غشاء البكارة، وهن بحاجة لطبيب، كدكتور إيلاف، كي يدلهن عليه من خلال رسم ينشره على شاشة المجلة، أو من خلال الإجابة على أسئلتهن المتشابهة العطشى للمعرفة.. وصدقوني أن لا اللغة، ولا الدين، ولا القضايا المصيرية، ولا المصير المشترك، ولا التعايش الأخوي، بإمكانه أن يوحد أمتنا العربية، كما وحدها غشاء بكارة الفتاة.
فلقد تعرّف الدكتور جمالي في الغرب (الكافر) على حد تعبير البعض، على قيم إنسانية ثابتة (لا تتغيّر، ولا تتبدل بحكم الزمان والمكان، وجميع الديانات السماوية والوضعية والقوانين والأعراف، تؤكد وتحض عليها، وهي التي تسمح للانسان أن يعيش بأمان وسلام في أي مكان على سطح الأرض، وأن يختلط بشعوب أخرى، وأن يجعل من امرأة أجنبية زوجة صالحة له وأما لأولاده)، ومن الممكن، لا بل من المؤكد، أن تكون تلك المرأة الغربية قد خسرت غشاء بكارتها قبل الزواج، ومع ذلك بإمكانها أن تكون زوجة صالحة وأماً فاضلة. أجل، ستكون هكذا، لأنني تعرفت على الكثيرات منهن في أستراليا، فكن الشرف لعائلاتهن، وكن الإخلاص لرجالهن، وكن الأخلاق لمحيطهن، وكن الإيمان لخالقهن، وكن الصداقة الطاهرة لمعارفهن.. ومع ذلك مارسن الجنس قبل الزواج، وتمسكن بطهرهن الناصع المفرح بعده، وأنى لرجل غير الزوج أن يرشقهن بوردة.
ولكي أطفىء غليل قارىء ثائر، راح يشتمني برسالته، ويصفني بالديوث وبالقواد، ويسألني إذا كنت سأسمح لابنتي أو أختي بممارسة الجنس قبل الزواج؟.. سأرد على سؤاله بأسئلة مماثلة:
1ـ هل ستسمح، أيها القارىء المثالي الشريف، أن تمارس ابنتك السحاق مع فتاة أخرى؟.. وإذا اكتشفت أو أخبرتك ابنتك بذلك، وهي لن تخبرك بالطبع، كيف ستتصرف معها؟ هل ستقتلها أم سترشدها وتوجهها؟
2ـ ماذا ستفعل إذا ضبطت ابنتك وهي تمارس العادة السرية؟ هل ستركض إلى أقرب سكين في المطبخ وتذبحها؟ أم ستغض الطرف عنها لأنها تتخلص من إفرازات جسدها، كما فعلت أنت من قبل، ولأنها، وهذا هو الأهم بنظرك، ما زالت تحتفظ بغشاء بكارتها؟ وأنا متأكد من أنك لا تعرف، بسبب جهلك أيضاً، أين هو هذا الغشاء المقدس بنظرك، هل هو في فتحة الأذن؟ أم في فتحة الأنف؟ أم بين الفخذين؟!
3ـ هل ستتقبل فكرة زواج ابنتك، عن طريق التهديد والترغيب، من رجل لا تحبه، وبعد يوم واحد من فض بكارتها، يفترق الاثنان وكأن شيئاً لم يكن؟.. إذا كنت ستتقبلها، فأيهما أفضل: أن يفض بكارتها رجل أحبته وأحبها، ومن يدري، فقد يؤسسا معاً عائلة سعيدة ترضي الله ويرضى عنها كما يحدث في الغرب؟ أم رميها بأحضان رجل لا تحبه ولا يحبها، فيقطف منها زهرتها وهي تمتعض تحته وتتألم، بحجة أنه زوجها.. ولو بالإكراه؟!.. وماذا ستفعل عندما تطلق ابنتك؟ هل ستسجنها في المنزل لأنها فقدت عذريتها؟ أم ستضع عليها مراقبة شديدة؟ أم ستزوجها لأول رجل يتقدم لها، فتعيد تفاصيل المأساة، أو، وهذا الأرجح، تبدأ فصول الخيانة الزوجية؟
يجب أن نثقّف الفتاة جنسياً، وأن نعطيها شيئاً من حريتها، لتختار الإنسان الذي يسعدها وتسعده، اجتماعياً وجنسياً، وأن نتخلى عن دور الوصي عليها، فلا أحد على الإطلاق يعرف ما في سرائر الآخرين، خاصة إذا كانت المسألة تتعلّق بأمورهم الجنسية الحميمة.
إلى أن تجيبني على أسئلتي هذه، أعود لرسالة الأخ الدكتور حسان جمالي، لأشكره عليها، ولأطالبه بنشر مقاله كاملاً في (إيلاف)، فلغته جيدة، وأسلوبه سلس، وحجته دامغة، ومعاناته مؤثرة، شرط أن يتقبّل شتائم (الشرفاء) برحابة صدر، وأن يدجج بريده الإلكتروني ببرنامج قتالي فعّال لمكافحة جراثيمهم الخبيثة.. فنعم الأخلاق، ونعم الشرف.
**