البسي البكيني.. وفوزي بالعرش

  أيام زمان، يوم كنت في لبنان، سمعت نساء قريتي يزغردن، ولم نكن يومها نملك المال لننعم كباقي الناس برؤية التلفاز، وبمتابعة برامجه المصورة، فسألت إحداهن عن سبب فرحتها، فأجابتني بسخرية: 
ـ أين تعيش يا شربل، لقد فازت إبنة بلدنا جورجينا رزق بتاج الجمال العالمي، فزغرد معنا إذا كنت تتقن الزغردة، وإلا أنظم لها قصيدة إعجاب وتهنئة؟.
    ولشدة فرحي زغردت، فصمتت النساء حين سمعنني أزغرد، وكأنني تعديت على مصلحتهن، فدخلت كل واحدة منهن إلى بيتها، وانتهى الحفل بزغرودة شاب يافع. 
   وها أنا على استعداد أن أزغرد رجلاً بالغاً إذا فازت إبنة العراق (سارة مندلي) بلقب ملكة جمال إنكلترا، غير عابىء بما سيصيب النساء العراقيات من غيرة إذا سمعن زغاريد رجل أسترالي، تنافسهن بما هو من اختصاصهن، أي الزغردة، وتقطع المحيطات والبحار لتدغدغ آذانهن، وتنبئهن بفوز ابنتهن بعرش الجمال الإنكليزي، الذي هو في الوقت نفسه عرشنا في أستراليا، طالما أن الملكة أليزبيت ملكتنا، وصورتها لا تفارق دراهمنا. 
   وسارة، كما رأيتها في الصور المنشورة لها، أجمل من أن توصف، وأنعم من أن تتبودر، مرآتها الشمس، وكحلتها حفنة من تراب عراقها المقدس، فكيف لا تصبح ملكة، وما من ملكة بجمالها؟!. 
   ومن شروط مسابقات الجمال العالمية أن تسير المرشحات لنيل لقب ملكات الجمال بالبكيني أمام لجنة الحكم، بغية التأكد من مقاييسهن الجمالية، وهذا شيء طبيعي جداً، ولكن سارة، الفتاة المحافظة باعتدال، قد ترفض ارتداء البكيني، وتكتفي بالظهور بقميص (تي شيرت)، وهذا ما قد يؤخر حظها بالفوز، وما قد يهدم كل آمالنا برؤية ابنة بلد مجروح، سيداوي فوزها جراحه للحظات ويبتهج. 
   يا سارة مندلي.. أعين الكون عليك.. فلا تخافي لومة لائم، ولا تهتمي بانتقادات الجماعات المتشددة، ولا بسيل لعابها، ولا بفتاوى أناس لا يفتون إلا لتدمير كل ما هو جميل، ولا بثرثرات حفنة من المعقدين أخلاقياً وسلوكاً.. فنفذي شروط المسابقة بحذافيرها.. والبسي البكيني وفوزي بالتاج. فما من مرشحة أجمل منك، وما من مرشحة ترشحت لتحقيق هدف أسمى من هدفك، ألا وهو تسخير فوزها لصالح الضحايا في وطنها الأم، وحث الناس على التبرع لصالح الجمعيات التطوعية مثل جمعية أطفال الحرب.
   قد يقولون لك: البارحة ثار شربل بعيني على فنانة تشكيلية تعرّت في واشنطن من ورقة التين، فالتعري السافر شيء، ولبس البكيني شيء آخر، فكم من الراقصات العربيات يتمايلن بالبكيني التي يتدلى فوقها ثوب شفاف، ونحن نصفق لهن، ونمنحهن التقدير والإحترام، لا بل نتمايل كما يتمايلن وأكثر. 
   سيقولون لك ولي: لا نريد دعماً وطنياً عن طريق العري، فأين العري في ارتداء ثياب البحر؟ إنتبهي إلى كلمة (ثياب)، ومعظم فتيات الأرض، بما فيهن العربيات، يذهبن إلى البحار هرباً من حرارة الصيف، دون أن يتقوّل عليهن أحد، أو أن يرشقهن بوردة.
   بربك.. لا تترددي، إلبسي البكيني، كي لا يتهمك جاهل بالتزمت، وبأنك تسيرين (كفتاة إنكليزية) عكس ما يسير مجتمعك الجديد، وأنك غير مؤهلة لتمثيل الشعب الإنكليزي، بجميع فئاته، اليمينية واليسارية، الأرستقراطية والشعبية، فيحرمنا من لذة فوزك، نحن الذين لم نفز منذ سنوات إلا بالتفجيرات وفتاوى القتل والموت الحرام. 
   لقد دخلت مسابقة الجمال عن طيب خاطر، فالبسي البكيني عن طيب خاطر، فمن يعش في روما عليه أن يلبس كالرومان، ومن يتنافس على عرش الجمال عليه أن يلبس كباقي المتباريات، وهكذا يتزايد حظك بالفوز.. وتبدإين بدعم قضايا وطنك، وببلسمة جراح من ذاق ويلات الحرب والاستبداد والبطش كما ذقت، وذاقت عائلتك، وذاق شعبك.. وذقنا جميعاً.
   أنت حرة بتصرفاتك، وأنا أحترم قرارك، أيا كان، شرط أن تفوزي بالتاج.. ففوزي كرمى لأعين شعبك، وأعيننا جميعاً. 
**