للمرأة عورة واحدة.. وكفى

   ردود وتساؤلات بعض قرائي جاءت، وللأسف، مضحكة للغاية، لدرجة خلتهم معها لم يقرأوا مقالي بل الردود عليه، لذلك جاءت كتاباتهم إرتجالية، ومفعمة بالتطرف والتحدي، وبكثرة الأسئلة، كتساؤل إحدى القارئات عن المسافة التي أسمح لها بتعريتها من جسدها، هل تقاس بالأشبار، أم بالأمتار، أم بالأميال.. أم بالسنوات الضوئية؟.. وكأنني ولي أمرها، أو مخرجاً سينمائياً تعاقد معها على تمثيل دور يجب أن تتعرى به كمرلين مونرو، أو بريجيت باردو.
   ومن التساؤلات المضحكة التي انهمرت علي، واحد يلح علي صاحبه بالجواب، مخافة أن أغط بنوم عميق: هل تسمح للمرأة العربية بإظهار ثدييها، كما يفعل الرجل؟ وهل الثدي عورة؟.. وكأنهم بذلك يريدون أن يحرجوني، أو أن ينشروا غسيلي على صنوبر عاصمتي بيروت، وهم لو قرأوا، وتثقفوا، وغاصوا في بطون الكتب، لوجدوا أن النساء في بلدان وقبائل كثيرة ما زلن يطلقن لأثدائهن العنان دون خوف أو خجل، أو دون أن يقتص منهن القانون، ويحيلهن للمساءلة.
   أخبرني أحد الكهنة أن سيدتنا مريم العذراء قد أظهرت ثديها للعلن، وهي ترضع طفلها سيدنا يسوع المسيح، وهي من هي في السموات والأرض. أنا لم أقرأ القصة، ولكني سمعتها وسجلتها في ذاكرتي، كما أن هناك معبداً للسيدة العذراء يحمل اسم (سيدة البزاز)، وكل من يعلم من القراء مكانه، أو شيئاً عنه، أو عن القصة التي ذكرت سابقاً، أن يطلعنا على معلوماته لأهميتها. وقد لا أذيع سراً إذا قلت أن ملايين النساء في بلداننا العربية يرضعن أطفالهن في الشوارع والساحات، كما أرضعتني أمي تماماً، غير عابئات بنظرات المارة، الذين نادراً ما يلتفتون إلى ثدي أم مرضعة.
   وفي كتابه (عبقرية محمد) (ص 81)، يخبرنا عباس محمود العقّاد كيف أن نبينا العربي مس ثدي مرضعته، وهو رجل، احتراماً وتقديراً لها، دون أن يتهم بألف تهمة وتهمة، كما يحصل الآن. وإليكم ما كتب العقّاد: (وليس في سجل المودة الإنسانية أجمل ولا أكرم من حنانه على مرضعته حليمة، ومن حفاوته بها، وقد جاوز الأربعين، فيلقاها هاتفاً بها: أمي! أمي! ويفرش لها رداءه، ويمس ثديها بيده.. كأنه يذكر ما لذلك الثدي عليه من جميل).
   إذن، فثدي المرأة ليس عورة، وإلا لما أظهرته السيدة العذراء، ولما مسه النبي محمد أمام الناس، ومن حقّها أن تظهره، إذا أرادت أن تظهره، شرط أن يتماشى مع القوانين المرعية في البلاد التي تعيش فيها.
   لم أر طوال سكني في أستراليا امرأة تسير في الشارع مكشوفة الثديين، ولكنني رأيتها تتشمس على الشطوط البحرية عارية إلا من وريقة التين التي تغطي عورتها. وكلنا يعلم مدى الحرية المعطاة في أستراليا، ومع ذلك نجد أن الإنسان الحر لا يفرط بحريته، ولا يستعملها إلا في وقتها المناسب، ومكانها المناسب أيضاً.
   بإمكان المرأة العربية أن ترتدي البكيني وتسبح، وبإمكانها أن ترضع أطفالها وتظهر ثدييها ساعة تشاء، كما بإمكانها أن تشمسهما على البحور، هي حرة بجسدها، طالما أنها لا تتحدى القانون بعريها، ولا تستبيح الأماكن العامة لذلك، أو تجبر الناس على الإشمئزاز من سلوكها، كأن تعري صدرها وتسير في الشارع شامخة الرأس، والناس من حولها يلتفون بمعاطفهم من شدة البرد، أو يوصلون أطفالهم إلى المدارس، أو يتأهبون للصلاة.
   الحرية ذوق وتفهم ومعاملة وإدراك وإنسانية، فمن يجنح بحريته خارج نطاقها، كمن يقود سيارته وهو سكران، أو كمن يقود أعمى وعيناه مغمضتان، ففي كلتا الحالتين سيكون تصرفه غير محمود النتائج، لا بل مؤسفاًً للغاية.
   للمرأة، كما للرجل، عورة واحدة، قدّسها الله تعالى حين أشركها بعملية الخلق، لأنها، شئنا أم أبينا، سبب وجودنا، لذلك وجب علينا احترامها، وعدم الإستهتار بها.. وإلا طعنا في الصميم موضع الخلق فينا، وهذه جريمة إنسانية يجب أن لا تحصل.
**